أهلا وسهلا ومرحبا في مدونتكم الاستاذ

recent
أخبار المشاركات

حوالة العقد


كتاب جديد بعنوان حوالة العقد (فكر جديد وطرح جديد)

نص التقديم للأستاذ الدكتور أستاذ التعليم العالي كلية الحقوق بالدار البيضاء


يجمع الفقه الحديث على تعريف الالتزام، أو الحق الشخصي، بأنه رابطة قانونية بين دائن ومدين يترتب بمقتضاها على هذا الأخير، القيام بعمل أو الامتناع عن القيام بعمل أو نقل ملكية شيء، لصالح الدائن.

وقد اعتبر العقد، ومنذ زمن بعيد، أهم مصدر للالتزام، لذلك نلاحظ أنه يحتل مساحة شاسعة في إطار المدونات المدنية، قديمها وحديثها.

والحوالة عقد حديث نسبيا، بمقتضاه يقع في إطار التزام قائم، استبدال دائن بدائن آخر، وهذه هي حوالة الحق، أو مدين بمدين جديد، وهذه هي حوالة الدين.

استعصى في بداية الأمر على الفكر القانوني، على مستوى النظام القانوني اللاتيني، أن يتقبل تغييرا يمس الجانب الشخصي في الرابطة العقدية، بحث يتغير في إطارها الدائن أو المدين، وقد حاولت الممارسة، حتى عهد قريب، الوصول إلى ما تحققه الحوالة من آثار بواسطة التجديد أو الوكالة

غير أن تطورا عميقا مس المدرسة القانونية الجرمانية، التي أصبغت على الالتزام المالي طبيعة مادية، ومن ثمة سمحت بالتعامل معه -أي الالتزام- كموضوع يقبل أن يكون محلا لكافة التصرفات القانونية، وفي مقدمتها الحوالة.

وهكذا، تم التسليم بحوالة الحق وبحوالة الدين، وأخيرا بحوالة العقد.

نظم المشرع المغربي كل ما يخص حوالة الحق وحدها في الفصول من 189 إلى 216 من قانون الالتزامات والعقود، حيث عرض للانتقال بوجه عام، ثم لحوالة حقوق في تركة، ثم للحلول وللإنابة. وقد كان المشرع منسجما في ذلك التنظيم مع نظيره الفرنسي الذي عرض لذات الموضوع في باب يحمل العنوان الآتيDu transport des créances et autres droits incorporels في المواد من 1683 إلى 1701.

غير أن المشرع الفرنسي وبالإضافة إلى هذا التنظيم العام، نظم بعض أشكال حوالة الحقوق بالقانون رقم 519-76، ويتعلق الأمر بسند تنفيذي للدين، يحرره موثق ويقبل التظهير متى تحققت له شروط معينة، ويحتوي هذا القانون الأخير على 18 مادة.

وبخلاف التشريعين المغربي والفرنسي، نظمت تشريعات أخرى حوالة الديــــون la cession des dettes، ومن ذللك التشريع الألماني والتشريع السويسري والتشريع المصري والتشريع السوري والتشريع اللبناني.

غير أن تشريعات أخرى قد تجاوزت تنظيم حوالة الحق وحوالة الدين إلى حوالة العقد la cession du contrat، وفي مقدمتها التشريع الإيطالي والتشريع البرتغالي وبعض تشريعات تعود لبعض دول أمريكا اللاتينية

وتفيد حوالة العقد أن يحول المتعاقد مركزه العقدي، في جانبه الإيجابي والسلبي، إلى أحد من الأغيار الذي يحل محله في العقد.

وحوالة العقد هو عنوان الأطروحة الرائعة التي سبق أن ناقشها مصطفى مالك برحاب كلية الحقوق بالدار البيضاء صبيحة يوم السبت 24 يناير 2004، حيث نالت تنويها خاصا من لجنة المناقشة.

وقد ارتأى صاحب الأطروحة الذي يعمل حاليا أستاذا متميزا بكلية الحقوق التابعة لجامعة القاضي عياض بمراكش، أن يحولها إلى كتاب بإلحاح ما، حتى تعم فائدتها على كل مهتم بالدراسات القانونية.

لا أبالغ إن قلت إن العمل الذي نقدم له، في هذه العجالة، هو ترجمة حقيقية لعمل فقهي متميز، لا يمكن أن يصدر إلا عن فكر قانوني حاد. لقد جاء نموذجيا من حيث شكله ومن حيث مضمونه، ومن ثمة، فهو بدون تحفظ عبارة عن بحث يشرف الجامعة المغربية، التي عرفت في السنوات الأخيرة بعض التراجع بخصوص مستوى الأعمال التي تناقش في إطارها، وخاصة بعد فرض الإصلاح الجامعي الأخير الذي يشجع الكم على حساب الكيف.

فحوالة العقد مؤسسة قانونية لم يضع لها المشرع المغربي قاعدة عامة، باستثناء بعض التطبيقات (راجع على سبيل المثال الفصول 668 و 694 من ق ل ع والفصل 37 من ظهير 24 ماي 1955 والفصل 19 من مدونة الشغل...)، ومن ثمة تجاهلها الفقه وانعدمت بشأنها أحكام القضاء. وقد فرض هذا الواقع على الباحث أن يتجه إلى القانون المقارن، وخاصة الإيطالي والبرتغالي إلى جانب الفرنسي، وهو وضع فرض عليه أن يتعلم بعمق اللغة الإيطالية.

قسم الباحث كتابه إلى باب تمهيدي خصصه للتعريف بحوالة العقد، ثم إلى قسم أول عنونه بحوالة العقد في حالة السكون، ثم إلى قسم ثان عنونه بحوالة العقد حالة الحركة.

يتكون الكتاب من حوالي 480 صفحة، وهو غني بمضامينه الفقهية، تطرق الباحث من خلاله، بالإضافة إلى جوهر البحث، إلى مواضيع قلما لامسها الفقه المغربي. وقد استحال علينا إبرازها كلها في التقديم، وحسبنا أن نقرر أن الكتاب حري بأن يوجد في كل خزانة قانونية.

وفي نظرنا أن المشرع، إذا ما رأى مستقبلا أن ينظم هذا الموضوع الشائك، الذي يفرضه التطور الاقتصادي والاجتماعي للبلاد، سيكون هو المستفيد الأكبر من هذه الدراسة.

وفي الأخير، أهمس في أذن الأستاذ مصطفى مالك، فأقول له، لك أن تفتخر بكتابك هذا، وان تعتبره مجرد بداية لا غير، لأن في توقك خسارة كبرى للقانون المغربي، الذي يحتاج إلى كثيرين من أمثالك، حتى يضاهي أرقى المدارس الفقهية العالمية. أنت أستاذ جامعي وقرينة الأستاذية الحقة تنطلق من أطروحة تنمي وتشحذ الملكات الذهنية، وفقك الله وحفظك في نفسك وفي أسرتك الصغيرة والكبيرة.

تعليقات

3 تعليقات
إرسال تعليق
‏الأستاذ مصطفى مالك

google-playkhamsatmostaqltradent